languageFrançais

البنك الدولي يعلن تصنيفات الدخل الجديدة وتغييرات بالمنطقة

في الأول من شهر جويلية من كل عام، تصدر مجموعة البنك الدولي تحديثاتها لتصنيفات الدول حسب مستوى الدخل، وهي آلية باتت مرجعًا دوليًا يُستند إليه في تقييم التقدّم الاقتصادي وتحديد فرص الحصول على التمويل الميسّر من المؤسسات الدولية.

التصنيفات ترتكز على "نصيب الفرد من إجمالي الدخل القومي"، وتُقسّم الدول إلى أربع فئات: منخفضة الدخل، ومتوسطة الدخل (شريحة دنيا وشريحة عليا)، ومرتفعة الدخل، وذلك وفق ما أعلن عنه البنك الدولي في تقرير له تحت عنوان " فهم العوامل المؤثرة في دخل البلدان: تصنيف مجموعة البنك الدولي للبلدان حسب مستوى الدخل للسنة المالية 2026 (1 جويلية، 2025 - 30 جوان، 2026)، وقد تحصلت موزاييك على نسخة منه.

تباين اقتصادي لافت

وتُستخدم في ذلك "طريقة أطلس" لحساب الدخل القومي بالدولار الأمريكي، وهي طريقة تهدف إلى تقليل أثر تقلبات أسعار الصرف على المقارنات بين الدول، عبر استخدام متوسط سعر الصرف لثلاث سنوات، وتعديله بمراعاة التضخم المحلي والدولي.

هذه المنهجية تتيح تقييمًا أكثر استقرارًا وواقعية لمستوى المعيشة عبر مختلف البلدان.

أما على مستوى الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، فتُظهر البيانات الصادرة للسنة المالية 2026 أن المنطقة تعيش حالة من التباين الاقتصادي اللافت.

إذ تضم دولًا شديدة الثراء إلى جانب دول تعاني من ضغوط تنموية كبيرة، ما يجعل المتوسط الإقليمي أقل تعبيرًا عن الواقع الفعلي لكل بلد على حدة.

ومنذ عام 1987، ارتفعت نسبة الدول المصنّفة في فئة "مرتفعة الدخل" من 18 إلى 35 في المئة، ما يعكس أداءً اقتصاديًا جيدًا في بعض بلدان الخليج تحديدًا، فيما بقي عدد الدول منخفضة الدخل مستقرًا تقريبًا، مع ازدياد طفيف من دولتين إلى ثلاث.

الحاجة إلى إصلاحات هيكلية

تونس، التي لطالما مثّلت نموذجًا في الطموح الاقتصادي والإصلاح، لا تزال في خانة الدول ذات "الدخل المتوسط الشريحة الدنيا"، وهي فئة تشمل بلدانًا يشكّل فيها الدخل الفردي مستوى محدودًا نسبيًا، لكنه أفضل من نظيراتها في فئة الدخل المنخفض.

التحديات التي تواجه تونس لا ترتبط فقط بالنمو الاقتصادي، بل أيضًا بضعف الاستثمار، وارتفاع معدلات البطالة، وتقلبات سياسية أثّرت على الأداء العام للاقتصاد الوطني.

ورغم ما تحقّق من إنجازات نسبية، فإن تصنيفها لا يزال ثابتًا دون أن يشهد انتقالًا إلى شريحة أعلى، وهو ما يُظهر الحاجة إلى إصلاحات هيكلية تعيد تحريك عجلة النمو وتدعم الإنتاجية، وفقا لنفس المصدر.

تحسّن في التصنيف الدولي

في المقابل، حافظت الجزائر والمغرب على موقعهما في فئة الدول ذات "الدخل المتوسط الشريحة الدنيا"، لكن مع وجود إشارات إلى إمكانية الترقية في السنوات المقبلة إذا ما واصلتا تنفيذ البرامج التنموية وتعزيز الاستقرار المالي.

المغرب تحديدًا حقّق تقدمًا في البنية التحتية، والصناعة الخفيفة، والتكامل مع الأسواق الأوروبية، وهي مؤشرات إيجابية قد تترجم مستقبلًا إلى تحسّن في التصنيف الدولي.

أما مصر، فتمكّنت خلال السنوات الماضية من الصعود إلى "الشريحة العليا من الدخل المتوسط"، بعد موجة من الإصلاحات الاقتصادية، وتحرير سعر الصرف، وزيادة حجم الاستثمارات الأجنبية، رغم ما تواجهه من تحديات متكررة تتعلق بالتضخم الخارجي والضغوط على العملة المحلية. الصعود المصري يعكس قدرة اقتصادات المنطقة على التحرك التصاعدي متى ما توفرت الرؤية والاستقرار.

الاعتماد على الموارد الطبيعية

الدول الخليجية، مثل السعودية والإمارات وقطر والكويت، تحافظ على مكانتها في فئة "مرتفعة الدخل"، مستفيدة من عائدات النفط، وتنوّع جزئي في الاقتصاد، واستثمارات ضخمة في قطاعات السياحة والتكنولوجيا والبنية التحتية.

ومع ذلك، يُلاحظ أن هذه الدول تسعى حاليًا لتثبيت مكانتها بعيدًا عن الاعتماد على الموارد الطبيعية، من خلال خطط التحول الوطني والرؤى الاقتصادية بعيدة المدى.

تصنيفات البنك الدولي، رغم طابعها الفني، تعكس خارطة النفوذ الاقتصادي في العالم، وتُشكّل مرآة لقياس نجاح أو تعثر السياسات الوطنية.

بالنسبة لدول شمال إفريقيا وتونس تحديدًا، فإن التحدي ليس فقط في تحسين الأرقام، بل في تحويل النمو إلى تنمية شاملة ومستدامة، تستفيد منها فئات المجتمع كافة، وتُعيد تموضع الدولة في الساحة الاقتصادية الدولية.

توصيات لواضعي السياسات

توفر تصنيفات مجموعة البنك الدولي للبلدان حسب مستوى الدخل رؤى وأفكاراً قيمة حول الاتجاهات الاقتصادية العالمية والتقدم المُحرَز في مجال التنمية. ومع استمرار البلدان في التطور الاقتصادي، ستظل هذه التصنيفات بالغة الأهمية في صياغة السياسات والإستراتيجيات الخاصة بالتنمية.

ويجب على واضعي السياسات مراعاة هذه التصنيفات عند تصميم السياسات والإستراتيجيات الاقتصادية.

ومن شأن فهم العوامل المؤثرة على تصنيف دخل البلدان أن يسهم في توجيه الجهود الرامية إلى تحفيز النمو الاقتصادي، والمساعدة في السيطرة على التضخم، بالإضافة إلى تعزيز الاندماج في الاقتصاد العالمي، وفقا للبنك الدولي.

صلاح الدين كريمي